موضوع: شروط النهضة لمالك بن نبي01 الثلاثاء نوفمبر 03, 2009 2:56 pm
تلخيص كتاب شروط النهضة لمالك بن نبي لقد ظل العالم العربي خارج التاريخ دهراً طويلاً كأن لميكن له هدف ، فاستسلم المريض للمرض ، وفقد شعوره بالألم حتى كأن المرض صار يؤلفجزءاً من كيانه . وقبل ميلاد القرن العشرين سمع من يذكره بمرضه ، ومن يحدثه عنالعناية الإلهية التي استقرت على وسادته ، فلم يلبث أن خرج من سباته العميق ولديهالشعور بالألم . وبهذه الصحوة الخافتة تبدأ بالنسبة للعالم الإسلامي والعربي حقبةتاريخية جديدة يطلق عليها : النهضة . ولكن ما مدلول هذه الصحوة ؟ إن من الواجبأن نضع نصب أعيننا (المرض) بالمصطلح الطبي لكي تكون لدينا عنه فكرة سليمة ، فإنالحديث عن المرض أو الشعور به لا يعني بداهة (الدواء) . ونقطة الإنطلاق هي أنالخمسين عاماً الماضية تفسر لنا الحالة الراهنة التي يوجد فيها العالم العربي اليوم، والتي يمكن أن تفسر بطريقتين متعارضتين : فهي من ناحية : النتيجة الموفقة للجهودالمبذولة طوال نصف قرن من الزمان من أجل النهضة . وهي من ناحية أخرى : النتيجةالخائبة لتطور استمر خلال هذه الحقبة دون أن تشترك الآراء في تحديد أهدافه أواتجاهاته . ومن الممكن أن نفحص الآن سجلات هذه الحقبة ، ففيها كثير من الوثائقوالدراسات ومقالات الصحف والمؤتمرات التي تتصل بموضوع النهضة هذه الدراسات تعالجالاستعمار والجهل هنا ، والفقر والبؤس هناك ، وانعدام التنظيم واختلال الاقتصاد أوالسياسة في مناسبة أخرى ، ولكن ليس فيها تحليل منهجي للمرض ، أعني دراسة مرضيةللمجتمع العربي ، دراسة لا تدع مجالاً للظن حول المرض الذي يتألم منه منذ قرون . ففي الوثائق نجد أن كل مصلح قد وصف الوضع الراهن تبعاً لرأيه أو مزاجه أومهنته . فرأى رجل سياسي كجمال الدين الأفغاني أن المشكلة سياسية تحل بوسائل سياسية، بينما قد رأى رجل دين كالشيخ محمد عبده أن المشكلة لا تحل إلا بإصلاح العقيدةوالوعظ ...الخ ... على حين أن كل هذا التشخيص لا يتناول في الحقيقة المرض بل يتحدثعن أعراضه . وقد نتج عن هذا أنهم منذ مائة عام لا يعالجون المرض ، وإنما يعالجونالأعراض ، وكانت النتيجة قريبة من تلك التي يحصل عليها طبيب يواجه حالة مريض بالسل، فلا يهتم بمكافحة الجراثيم ، وإنما يهتم بهيجان الحمى عند المريض . والمريضنفسه يريد - ومنذ مائة عام - أن يبرأ من آلام كثيرة : من الاستعمار ونتائجه ، منالأمية بأشكالها ، من الفقر رغم غنى البلاد بالمادة الأولية ، من الظلم والقهروالاستعباد ، من ومن ، ومن ، وهو لا يعرف حقيقة مرضه ولم يحاول أن يعرفه ، بل كل مافي الأمر أنه شعر بالألم ، ولا يزال الألم يشتد ، فجرى نحو الصيدلية ، يأخذ من آلافالزجاجات ليواجه آلاف الآلام . وليس في الواقع سوى طريقتين لوضع نهاية لهذهالحالة المرضية ، فإما القضاء على المرض وإما إعدام المريض . لكن هناك من له مصلحةفي استمرار هذه الحالة المرضية سواءً أكان ممن هم في الخارج أو ممن يمثلونهم فيالداخل . لقد دخل المريض إلى صيدلية الحضارة الغربية طالباً الشفاء ، ولكن من أيمرض ؟ وبأي دواء ؟ وبدهي أننا لا نعرف شيئاً عن مدة علاج كهذا ، ولكن الحالة التيتطرد هكذا تحت أنظارنا منذ نصف قرن ، لها دلالة اجتماعية يجب أن تكون موضع تأملوتحليل . وفي الوقت الذي نقوم به بهذا التحليل يمكننا أن نفهم المعنى الواقعي لتلكالحقبة التاريخية التي نحياها ، ويمكننا أيضاً أن نفهم التعديل الذي ينبغي أن يضافإليها . إن مشكلة النهضة تتحلل إلى ثلاث مشكلات أولية : مشكلة الإنسان ، ومشكلةالتراب، ومشكلة الوقت ، فلكي نقيم بناء نهضة لا يكون ذلك بأن نكدس المنتجات ، وإنمابأن نحل هذه المشكلات الثلاث من أساسها . أولاً : مشكلة الإنسان ... ثانياً : مشكلة التراب ... ثالثاً : مشكلة الوقت ... 1ً- الإنسان : إن المشروعالإصلاحي يبدأ بتغيير الإنسان ، ثم بتعليمه الإنخراط في الجماعة ثم بالتنظيم فالنقدالبناء . وتبدأ عملية التطور من الإنسان لأنه المخلوق الوحيد القادر على قيادةحركة البناء ، وتحقيق قفزات نوعية ، تمهيداً لظهور الحضارة . أما المادة فمهمايكن من أمرها تكديساً وزيادة ، فإنها تبقى تجميع كمي لا يعطي معنى كيفياً نوعياً ،إلا بسلامة استخدام الإنسان له(201،200:8) . فلكي يتحقق التغير في محيطنا يجب أنيتحقق أولاً في أنفسنا وإلا فإن العربي لن يستطيع إنقاذ نفسه ولا إنقاذ الآخرين، ثمإذا كان منهج الرسالة يقتضي التغيير ، والتغيير يقتضي تغيير ما في النفوس أولاً ... لقوله تعالى "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (سورة الرعد ، الآية : 11) ، وعندها يجب على العربي أن يحقق بمفرده شروطاً ثلاثة : 1- أن يعرف نفسه . 2- أن يعرف الآخرين ، وأن لا يتعالى عليهم وأن لايتجاهلهم (59،58:8 ) 3- ويجب عليه في الشرط الثالث أن يعرف الآخرين بنفسه ولكنبالصورة المحببة ، بالصورة التي أجريت عليها كل عمليات التغيير بعد التنقيةوالتصفية من كل رواسب القابلية للاستعمار والتخلف وأصناف التقهقر . فالإنسان هو الهدف وهو نقطة البدء في التغيير والبناء ، ومهما جرتمحاولات تحديثية بوساطة الإستعارة ، أو الشراء للمصنوعات ومنتجات التقنية ، فإنهذه المحاولات ستكون عقيمة ، طالما أنها لم تبدأ من حيث يجب ، فالحل الوحيد منوطبتكوين الفرد الحامل لرسالته في التاريخ ، والغني بأفكاره على حساب اشيائه إنالعلوم الأخلاقية والاجتماعية والنفسية تعد اليوم أكثر ضرورة من العلوم الماديةفهذه تعتبر خطراً في مجتمع مازال الناس يجهلون فيه حقيقة أنفسهم أو يتجاهلونهاومعرفة إنسان الحضارة وإعداده ، أشق كثيراً من صنع محرك أو تقنية متطورة ، وممايؤسف له ان حملة الشهادات العليا في هذه الاختصاصات هم الأكثر عدداً في البلدانالمتخلفة لكنهم لم يكونوا إلا حملة أوراق يذكر فيها اختصاصهم النظري ، فصاروا عبئاًثقيلاً على مسيرة التنمية والإصلاح ، فهم القادة في المجتمعات المتخلفة على الرغممن عجزهم عن حل أبسط المشكلات بطريقة علمية عملية ، وإلا لما تخلف مشروع النهضة حتىالوقت الحاضر ، ونحن بحاجة إلى دروس في منهجية العمل في سائر مستويات عملنا . فلتبدأ المنهجية اولاً في مستوى الحديث المجرد ، لأن كل عمل اجتماعي يقتضيتبادل أفكار بين عدد من الاشخاص . إن الحوار هو أبسط صورة لتبادل الأفكار ، وهوبذلك المرحلة التمهيدية البسيطة لكل عمل مشترك فقواعد الحديث إذن لا تخص حسن الآدابفقط ، بل هي جزء رئيسي من تقنية العمل . ونحن نجد هذه الصلة ، بصورة رمزية ، فيالعهد القديم عندما يقص علينا: كيف اصبح عمل القوم مستحيلاً في تشييد برج بابل ،عندما اختلفت ألسنتهم ، ففي هذه القصة نرى كيف يتعطل العمل بمجرد ما تعطل تبليغالأفكار بالكلام . فالقضية إذن لا تخص قواعد الحديث وحسن السلوك في المنتدياتوالمؤتمرات والصالونات والمقاهي فحسب ، بل تخص مباشرة تقنية العمل من زاويةالفعالية ، فحيث لا يكون الحديث لمجرد التسلية ، يجب أن يخضع لقواعد العمل ، الذيليس في بداية ومرحلة تحضيرة ، سوى مشروع في محتوى بعض الكلمات وبعض الأفكار ، وفيهذا المستوى ، يتداخل الجانب الأخلاقي والجانب المنطقي ليكونا معاً العمل الفعال أوالعمل التافه(40: وأظن أننا لا نزال كأمة في المستوى الثاني . فليس من الضروري - ولا من الممكن - أن يكون لمجتمع فقير ، المليارات من الذهب كي ينهض ، وإنما ينهضبالرصيد الذي لا يستطيع الدهر ان ينقص من قيمته شيئاً، الرصيد الذي وضعته العنايةالإلهية بين يديه : الإنسان ، والتراب ، والوقت(60:2)، فالثورة لا ترتجل ، إنهاإطراد طويل ، يحتوى ما قبل الثورة والثورة نفسها ، وما بعدها والمراحل الثلاث هذهلا تجتمع فيه بمجرد إضافة زمنية ، بل تمثل فيه نمواً عضوياً وتطوراً تاريخياًمستمراً ، وإذا حدث أي خلل في هذا النمو وفي هذا التطور فقد تكون النتيجة زهيدةتخيب الآمال(12،11:2) . فالثورة قد تتغير إلى "لا ثورة" بل قد تصبح "ضد الثورة" بطريقة واضحة خفية، والأمر الذي لا يجوز أن يغيب عن أذهاننا في هذا الصدد هو أنمجتمعاً ما بمقتضى طبيعته البشرية ينطوي على خمائر من روح - ما ضد الثورة - طبقاًلمبدأ التناقض تناقضاً مستمراً. حتى في فترة ثورية نستطيع تتبع آثاره في تاريخ كلالثورات . بحيث لا يغني أن ندفع عجلة الثورة في وطن ما ، بل يجب أن نتتبع حركتهاورقابتها بعد ذلك(14،13:2) . وطالما كانت الإرادة الحضارية طوع الفكرة فإنناإزاء عصر التلقين المستبد بتصوراتنا ومفاهيمنا نواجه انهيار هذه الإرادة حتى لاتقوى على احتضان المصير، والصراع الفكري يجد إطاره الأوسع في البلاد المحكومة بشبكةمن الإيحاءات ، تدلي بها مراصد الاستعمار ، لتصنع متقلب الأحداث وسوء منقلبها حيالكل نهضة فاعلة في عالمنا العربي والإسلامي . فالمشكلة مشكلة أفكار في النهاية ،لأننا بها ننظم خطانا في ثبات الأديم ، وندفع طاقتنا في مضاء العزيمة ، ونحشدوسائلنا في وثيق الإنجاز . إن لكل حضارة نمطها وأسلوبها وخيارها . وخيار العالمالغربي ذي الأصول الرومانية الوثنية قد جنح بصره إلى ما حوله مما يحيط به : نحوالاشياء، بينما الحضارة العربية الإسلامية عقيدة التوحيد المتصل بالرسل قبلها سبحخيارها نحو التطلع الغيبي وما وراء الطبيعة : نحو الأفكار . والإنسان حينما ينظمشبكة علاقاته الاجتماعية بوحي الفكرة في انبثاقها ، فإنه يتحرك في مسيرته عبرالأشخاص والأشياء المحيطة به فيتخذ العالم الثقافي إطاره في إنجاز هذه المسيرةويأخذ طابعه تبعاً للعلاقة بين العناصر الثلاثة المتحركة : الأشياء، الأشخاص ،الأفكار . فهناك توازن لابد منه بين هذه العناصر الثلاثة يسكب مزيجها في قوالبالإنجاز الحضاري ، فإذا ما استبد واحد من هذه العناصر وطغى على حساب العنصرينالآخرين فثمة أزمة حقيقية في مسيرة الحضارة تلقي بها خارج التاريخ فريسة طغيانالشيء أو طغيان الشخص . ففي بلد متخلف يفرض الشيء طغيانه بسبب ندرته ، تنشأ فيهعقد الكبت والميل نحو التكديس الذي يصبح في الإطار الاقتصادي إسرافاً محضاً . أمافي البلد المتقدم وطبقاً لدرجة تقدمه ، فإن الشيء يسيطر بسبب وفرته وينتج نوعاً منالإشباع ، إنه يفرض شعوراً لا يحتمل من الشؤم البادي من رتابة ما يرى حوله ، فيولدميلاً نحو الهروب إلى الأمام الذي يدفع الإنسان المتحضر دائماً إلى تغيير إطارالحياة وفق صرعات الموضة في كل شيء حوله . لكن طغيان الشخص يؤدي إلى نتائج فيالإطار السياسي والجتماعي تهدم بنيان الفكرة حينما تتجسد فيه . وكثيراً ما تعمدمراصد الرقابة في حركة العالم الثالث إلى دفع هذا الاتجاه المرضي إلى نهايته فيعقول الجماهير لتحطم الفكرة البناءة من وراء سقوط الأشخاص الذين يمثلونها فيالنهاية ، وتدفع الجماهير للبحث عن بديل للفكرة الاصلية من الشرق والغرب عبر بطلجديد . فعدم التوازن في العناصر الثلاثة يفضي بنا على انهيار المجتمع ، والمجتمعالعربي الإسلامي يعاني في الوقت الحاضر بصورة خاصة من هذه الاتجاهات ، لأن نهضته لميُخطط لها . ولم يُفكر بها بطريقة تأخذ بإعتبارها عوامل التبديد والتعويق سواء علىالمستوى الداخلي أو الخارجي ، وعلى الأغلب الاثنين معاً.
maha daoud
عدد المساهمات : 247 تاريخ التسجيل : 23/10/2009 العمر : 30 الموقع : www.maji-da-elroumi-maha.nice-forums.net
موضوع: رد: شروط النهضة لمالك بن نبي01 الجمعة نوفمبر 06, 2009 1:10 pm