قد يمر هذا اليوم كسائر الأيام , و تمر أيام بعده، و أيام، دون أن يعرف أحد ماذا حصل في 11 ديسمبر
و أعتقد أن هذا الحدث لو لم يحصل لفقدنا - نحن العرب - تلك المكانة التي تجعلنا على قدم المساواة مع المعلمين الكبار و الفاتحين في فن الرواية أمثال : شارل ديكنز- تولستوي - جيمس.
أتحدث عن مولد الأديب الراحل نجيب محفوظ ، وقد داخلت نفسي مشاعر متصارعة عقب معرفة تاريخ ميلاده.
لقد تسائلت مع نفسي هل كان من الممكن للرواية العربية أن ترتقي الى هذا الحد الذي هي عليه قبل مولد هذه العبقرية الفذة. لا . لم يكن لنا موضع في دنيا الرواية قبل مجيئ نجيب محفوظ الى هذه الحياة.
و قد حال بين الاديب المصري و الموت - عقب ولادته - قدر الله وحده . لولا هذه العناية الالاهية لما انبعث على سطح هذا الكون ذالك الكائن البشري البديع ، الخارق للعادة, و كنا ساعتها سنفقد رائدا من رواد الأدب العربي في عصرنا الحالي
و هذه هي قصة ولادة نجيب محفوظ
في ساعة من ساعات الفجر يوم 11 ديسمبر 1911 سمع عويل في حي الجمالية بالقاهرة ، كان الصراخ للجنين نجيب باشا محفوظ عقب ولادته العسيرة . و ليس( نجيب محفوظ) باسمه الحقيقي ، كان اسم الطبيب الذي أشرف على ولادته. و قد سماه أبوه على اسم الطبيب تقديرا لكفاءة الأخير.
و هكذا كبر و ترعرع نجيب محفوظ باشا - صغير أخواته- في حي الجمالية . و انتقل بعد ذلك الى حي العباسية . و قد وصف طفولته في هذه الأحياء في العديد من كتبه - التي تركزت معظمها حول موضوع الحارة المصرية.
اغترف منذ شبابه المبكر من ينابيع الفلسفة المتدفقة فأثرت في كتاباته بالشكل الملموس . حتى أنه برع في تحليل نفس الانسان . و يظهر ذلك جليا في معظم مؤلفاته
أنا سعيد هذا اليوم من صميم قلبي ، و قد يزيد سعادتي عمقا تذكري هذا الحدث الذي غير مسارالبشرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
اكتشفت هذا الروائي منذ سنتين تقريبا ، ومنذ تلك الفترة و أنا مدمن على رواياته . و أعترف أنه الشخص الذي أثر في بأفكاره و تصرفاته الأثر البليغ الذي لم يبلغه أحد من نفسي من قبل .
صدقوني أنه أسطورة
صدقوني أنه ملهم
صدقوني أنه غير طبيعي
و اذا رفضتم هذه الأوصاف ، فأنا أقول لكم أبحروا في كتبه و لن تجدوا بدا من الاعتراف.
سوف يشدكم اليه بحبل متين حتى تدمنوا عليه كما حصل معي و ان ذالك لبالسحر أشبه
لقد قرأت أول ما قرأت له( خان الخليلي) و اكتشفت أسرار فنه و لمسات صنعته
و جعلني هذا الكتاب مجنونا ،بل عابدا لأدبه، فقرأت بعد ذلك بقليل (حضرة المحترم) ثم (اللص و الكلاب) ثم (بداية و نهاية.
و لم أشعر و أنا أنتقل بين ابداعاته أي نوع من الفتور أو الاعياء بل انني كلما انتهيت من رواية أجد نفسا جديدا للشروع في أخرى، حتى وجدت نفسي حائرا داهشا و أنا أتملى بين صفحات الثلاثية :بين القصرين- قصر الشوق - السكرية.
عمله هذا من روائع الأدب, و تخيل أنني أتيت عليه في أسابيع قليلة رغم تجاوزه الصفحات الألف و المئة و الستين.
و قد يكون هذا السبب فيما لحق بي من تراخ في المدرسة خلال الأيام الأخيرة ، لذا أنصحكم . احذروا من قراءة كتبه
و الا فقل عليكم السلام
أظن أنني أطلت عليكم
لكني الان أحس بارتياح عميق لأنني احتفلت- بطريقتي- هذا اليوم بأستاذ البشرية نجيب محفوظ، و أظنني نجحت في اخراج كل تلك المشاعر التي كانت تختلج في صدري
ان هذا الاحتفاء خليق بأديب مثله، و اذا كان هو قد أهدانا ما يزيد عن خمسين رواية، فمن واجبنا - نحن البخلاء - أن نهديه جملة واحدة
شكرا لك نجيب .